وقد أدهشني أن ابن منظور ذكر في " لسان العرب " عن معنى " رهوًا ": أنَّ من قال ساكنًا للبحر فليس بشيء. ثم أفرد لهذه الكلمة " رها " حوالي ثلاث صفحات كبار. دار أغلبها في معاني السير خاصةً السير المتتابع في رفق، حيث تقول العرب: جاءت الخيل رهواً، أي: تحركت الخيل حركة متتابعة سهلة خفيفة. ( ولم يذكر له معنى السكون إلا مرة واحدة ) لمثل ذلك ذهب الزبيدي في كتابه " تاج العروس "، حيث قال: الرهو في السير اللين مع دوام. ثم ذكر قول الشاعر:
يمشين رهوًا فلا الأعجاز خاذلة ولا الصدور على الأعجاز تتكل
* ثم ذكر كلاهما ( ابن منظور والزبيدي ) معنًى للرهو عجيب وهو: مُسْتَنْقَع الماء أو المنخفض الذي يجتمع فيه الماء. أو الجَوْبَةُ تكون في مَحَلَّةِ القَوْمِ يسيلُ إِليها المَطَر. وهو ما ذكره كذلك الرازي في مختار الصِّحاح وابن سِيده في المحكم.
* يفهم مما ذكرناه أن الله لم يأمر موسى أن يترك البحر ( جبلا المياه ) ساكنًا. بل يتركه ( أو يترك جبلي الماء وأمواجهما ) تتحرك حركة لينة بطيئة متتابعة. أو يتركه في طور "المستنقع" قبل أن يرجع لحالة البحر الكامل.
ثالثًا: عجمية الكلمة " يم ":
من إعجاز القرآن أن يضع الكلمة أعجمية الأصل في الموضع الذي يفسر معناها في اللغة الأصلية، فـ " داود " تعني في العبرية " ذا الأيد " كما أورد القرآن. و" إسحق " تعني الذي يشتق اسمه من الضحك { وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ .. } [ هود: 71 ]. [ هذا باب من أبواب الإعجاز من أجمل ما كتب فيه كتاب " من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن " للأستاذ / رؤوف أبو سعدة ](3).
* وصاحب قصة الغرق هنا هو فرعون وجنوده – وهم مصريون -، إذًا فاللغة التي نبحث فيها عن معنى كلمة " يم " هي اللغة المصرية القديمة ( اللغة الديموطيقية ) التي تعني فيها البحيرة أو المستنقع.
* وقد ذكر الموقع الحكومي المصري (
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] باب: " أصل تسمية الفيوم " أن أصل كلمة " الفيوم " في المصرية القديمة هو " پِ – يُمّ " (pe-ym ).
" پِ ": هي أداة التعريف المصرية. و" يُمّ " تعني البحيرة التي تحورت إلى فيوم وأضيفت إليها أداة التعريف العربية ( أل ) إضافة إلى أداة التعريف المصرية فأصبحت " الفيوم ". والمعروف أن الفيوم بها بحيرة قارون الشهيرة.
- هنا قد يسأل سائل. إذا كان اليم يعني البحيرة باختلاف البحر. وقد ذكرت من قبل أن القرآن لم يذكر الانفلاق إلا للبحر وغرق فرعون وجنوده كان في اليم. فهل معنى ذلك أن المسطح المائي الذي غرق فيه فرعون لم يكن هو الذي انفلق ؟ وهل كانت هذه البحيرة مثلًا مجاورة للبحر ؟
تتمة البحث تجيب عن السؤال.
رابعًا: كتب أهل الكتاب المخفية:
لا نتكلم عن كتب أهل الكتاب متبعين، فما تناقض منه مع القرآن فهو خطأ وما توافق معه فهو صحيح. وما لا يتناقض لا نصدقه ولا نكذبه ولكنه يُشكِّل قرينة في سلسلة قرائن نسوقها لفهم الآيات. كما أن ما سنذكره لا يوجد في كتبهم المشهورة كالتوراة الحالية. بل في كتب مخفية وغير مشهورة فأنى لمحمد صلى الله عليه وسلم علمها ؟!
ذكر في العديد من كتب الربيين القدماء والتلمود أن جياد المصريين قد اندفعت إلى المياه بمن على ظهورها من المصريين. وأن العجلات الحربية كانت تجرجر راكبيها وتدفعهم إلى البحر. وكان ( الله ) قد ألقاهم كما تلقي ربة المنزل بالعدس في الهواء لكي تنقيه من الشوائب. فصار عاليهم سافلهم وسافلهم عاليهم.. فكان يطاح بالجواد وراكبه على ظهره فيطير في الهواء ثم يهوي الاثنان إلى قاع البحر(4).
"..The Chariots, though fire from heaven had consumed their wheels, dragged the men and the beasts into the water.. the rider and his beast were whisked high up in the air, and then the two together.. were hurled to the bottom of the sea"(5).
* أليس هذا هو مصداق قوله تعالى في القرآن الكريم مرتين: { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ } [ القصص:40. الذاريات 40 ] ؟! والنبذ هو الطرح والإلقاء كما هو معلوم في التفاسير والمعاجم.
* إذًا يفهم كذلك من كتب اليهود النادرة والمخفية أن فرعون وجنوده لم ينطبق عليهم البحر فوراً. بل كان تراجع المياه بطيئًا مما جعل هناك فرصة لخوض الجياد في المياه. وجرجرة العجلات الحربية التي نزلت في الجزء اليابس فعلًا إلا أنها سقطت ( ألقيت ) براكبيها في أماكن أشد انخفاضًا كانت قد ملئت بالماء فعلًا.