بسم الله الذي جعل الاحسان أفضل منازل السائرين إليه السالكين لصراطه
المستقيم الموصل إليه. والصلاة والسلام على أفضل من عبد الله إسلاما و
إيمانا و إحسانا وعلى آله و صحبه أما بعد إني أتحدث عن هذه المنزلة التي
لم أشم رائحتها و لم أتذوق لذتها إنما تطفلت على الحديث عنها وأنا أعلم
أن ذنوبا عظيمة ملأت قلبي و جوارحي تحول بيني و بينها. إذا كان لسان
العارف المحسن في عبادته لايستطيع أن يصف ما يتذوقه قلبه من معاني هذه
المنزلة فكيف بمثلي المسرف الظالم لنفسه.الاحسان إخوتي هو لب الإيمان وروحه
وكماله وقد بينه النبي صلى عليه و سلم في حدبث جبريل علي السلام(أن تعبد
الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإته يراك) أي أن تحس بمعية الله وقربه
منك لا يفارقك أبدا في أفعالك و أقوالك و أحوالك فتستحيي منه أشد من
استحيائك من رجل ذي هيبة من أهلك لايفارقك. وما أعظمه من حال وما أجلها من
منزلة إذا وطنت نفسك فيها وسكنت جنانها فتولد لديك هذه المنزلة الأنس
بالله لأنه معك يحرسك بعيته التي لا تنام و يكنفك بكنفه الذي لا يرام فلا
تخشى أحدا إلا هو ولا تسأل غيره ولا تستعين إلا به فتكن أغنى الناس
لإحساسك بالافتقار إليه فلا تنظر إلى ما بأيد الناس ولاتطمع في عطائهم
فيحبك الناس ويجلونك .أخي الكريم من نزل منزلة الاحسان ازداد طلبا في
مرضاة الله لأنه يراه وهو الذي سيجازيه على كل ذرة من عمله وتولد في قلبه
تمام الخشية و الانابة إليه سبحانه و اجتهد في تحسين عبادته وتنقيتها من
كل الشوائب كالرياء وغيره... والاتيان بها وفق شريعة رسول الله صلى الله
عليه و سلم. وكما أن الإحسان هو أعلى منزلة يصل إليها العبد في معاملة ربه
فكذلك هو أفضل ما يعامل به خلق الله و أولاهم بإحسانه هم والديه اللذين سبب
في وجوده ولهم عليه كل الفضل يقول سبحانه (و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و
بالوالدين إحسانا) فجعلهم في المنزلة بعده مباشرة و إذا أردنا أن تحدث عن
حقوقهم لا بد أن نفتح موضوعا خاصا لذلك. ثم يأتي الأهل و الأقارب والجيران و
الأصدقاء وغيرهم يقول سبحانه( سارعوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها
السماوات و الأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء و الضراء و
الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين) فجعل سبحانه
الاحسان أعلى دراجات معاملة المسيء إلينا بعد كظم الغيظ و العفو عنه ثم
الاحسان إليه في القول و الفعل قال الله تعالى ( و قولوا للناس حسنا). حتى
التحية رغب الله في الاحسان في ردها فقال(و إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن
منها أو ردوها) فالمسلم مطالب بالاحسان في كل شيء حتى مع الحيوانات فقال
النبي صلى الله عليه و سلم (إن الله كتب الاحسان على كل شيء فإذاقتلنم
فأحسنوا القتلة) و توعد صلى الله عليه من يعذب الحيوانات بالدخول إلى جهنم
كتلك المرأة التي عذبت هرة فلا هي أطعمتها و لاهي تركتها تأكل من حشائش
الأرض. فتبين إخوتي من هذا البحث البسيط أن من يريد أن يكون في زمرة
المحسنين فيحبه الله عز وجل و يقابله بإحسانه في الدنيا و الآخرة فهو
المحسن سبحانه إلى خلقه بنعمه التي لا تعد ولا تحصى فعليه أي المسلم أن
يوطن نفسه في هذه المنزلة العظيمة فلا يفارقها ما دامت روحه في جسده ويضع
نصب عينيه قول الله تعالى (هل الجزاء الاحسان إلا الاحسان) والسلام عليكم و
رحمة الله و بركاته.