قصيدة مصر
للشاعر السورى
محمد نجيب المراد
هِبةُ اللهِ من قديمِ الزمانِ إنها مصرُ فانطلقْ يا لساني
وتجاوزْ حدودَ شِعرٍ ووزنٍ رُبَّ حُبٍّ أقوى من الأوزانِ
ها هو النيلُ وامقٌ يَتَلَوَّى وهْو يبكي محبةَ الوديانِ
فكأَنَّ المياهَ دمعُ عشيقٍ تتهادى حَرَّى على الأجفانِ
وكأَنَّ الأشجارَ تلهو بصبٍّ ذابَ فيها، كما تَلَهَّى الغواني
بل كأَنَّ الورودَ وجناتُ بِكْرٍ مسَّها النيلُ رقةً ببنانٍ
بل كأنَّ النخيلَ جِيدُ عروسٍ وعليه التمورُعِقْدُ جُمانِ
النسيمُ العليلُ يُصدِرُ همساً يُشبِهُ الغُنجَ في دلالِ الحِسانِ
والطيورُ البيضاءُ جَوْقةُ عزفٍ يفتحُ العودُ صدرَهُ للكمانِ
والضُحى شمسهُ تُرتِلُ نوراً فوق هامِ الحقولِ والغيطانِ
رُبَّ ماءٍ يميسُ بين رياضٍ أسكرَ القلبَ مثلَ بنتِ الدنانِ
عدَّدَ الحسنُ في الجَمَالِ جِناناً فإذا النيلُ ثامنٌ في الجِنانِ
يا شِراعاً بصفحةِ النيلِ يجري وبه الليلُ والهوى جالسانِ
ورقيبٌ بين الغيومِ مُطِلٌّ يتغاضى!!! فتضحكُ الشفتانِ
ويدورُ الحديثُ دونَ كلامٍ لخَّصتْ ألفَ خُطبةٍ نظرتانِ
أنا يا مِصرُ عاشقٌ لكِ حتى لم يعدْ لي من البكا دمعتانِ
نُوَبُ الحُبِّ جرَّحتني كثيراً وكثيرٌ صبري على الحدثانِ
قد تقلَّبتُ بين حلوٍ ومُرِّ فعيونٌ نُجْلٌ وطعنُ سنانِ
ودخلتُ النزالَ في الحُبِّ لكنْ ضَاع سيفي مني وضَاع حصاني
لوَّنتْ مصرُ بالشبابِ ثيابي مشَّطتني وطرَّزَتْ قمصاني
ألبَسَتْني مَعاطفاً من عطورٍ في ذيولي تضوعُ والأردانِ
وسقتني مِنَ الشرابِ المعلَّى لاحِظوا طُهرَهُ بحرفِ بيانِ
فأنا الشافعيُّ قد جاء مصراً فإذا الفقهُ في جديدِ معاني
قبلها لم يكنْ هنالكَ شِعرٌ كلُّ ما كانَ قبلها شطرانِ
بعدها دفقةُ النُّبوغِ تجلَّتْ إن " شوقي" و "حافظاً" باركاني
أيُّها الحاسدان، ما العشق إلاّ مُغرَمٌ، إنَّما له .... حاسدانِ
لا يَعيبُ الورودَ إن قيلَ فيها إن خدَّ الورودِ أحمرُ قانِ
قد طَوَتْ مصرُ سِفْرَ كلِّا لليالي فهي للدهرِ كُلِّهِ دَفَّتانِ
ولها بصمةٌ بكلِّ فؤادٍ وبقلبي أنا لها بصمتانِ
مصرُ، يا مصرُ والتواريخُ كلَّتْ في لحاقٍ وأنتِ في جريانِ
"فعزيزٌ" و "يوسُفٌ" و "زليخا" وادخلوا "مصرَنا" بكلِّ أمانِ
وتجلِّي الإله في الطُّورِ يكفي لكِ عزاً يامصرُ في الأكوانِ
والتراتيلُ في مديحكِ تَتْرى في سطورِ الإنجيلِ والقرآنِ
مِنْ ثرى مصرَ جدتان لِعُرْبٍ وأصيلٌ إذا التقتْ جَدَّتانِ
رحِمُ الدمِّ والعقيدةِ مصرٌ سِرُّها خالدٌ، هو "الرحِمَانِ"
فاسألوا الفقهَ والحديثَ ونحواً كيفَ كانتْ لهمكصدرٍ حانِ
واسألوا "الضَّادَ" من حَمَاها تُجِبْكمْ إنّهُ الأزهرُ الشريفُ حَمَاني
وأذكروا لي رأساً لعِلْمٍ وفَنٍّ لم تكنْ فوقَهُ لمصرَ يدانِ
إسألوا الرملَ من سقاهُ يُجِبْكم: جيشُ مصرٍبدمِّهِ قد سقاني
وانظروا العينَ " عينَ جالوت" تروي بعد "قُطزٍ"، حديثُها أُرْجواني
وستحكي حطينُ: جيشُ صلاحٍ هو في القلبِ والجناحِ "كِناني"
ليس نصرٌ من غير مصرٍ لَعَمري هل رأيتمُ خيلاً بلا فرسانِ
ليس للشرقِ نهضةٌ دونَ مصرٍ كيفَ يَعلو بيتٌ بلا أركانِ
خاطَتِ الشمسُ للكنانةِ فستانَ زفافٍ... ياروعةَ الفستانِ
ثم رشَّتْ عليه بعضَ نجومٍ أَشعلَ الكونَ نورُها الربَّاني
عندما تَغزِلُ الشموسُ خيوطاً لحبيبٍ ... فالمجدُ في الخيطانِ
يا عروسَ الزمانِ يلقي عليها وهي في العرشِ تاجَهُ النوراني
ثم يحني وقارَهُ في خشوعٍ لاثماً كفَّها بكلِّ حنانِ
فإذا قُبلةُ الزمانِ شِفاهٌ وإذا " الثغرُ" في لَمى أسوانِ
"ثغرُها" أدهشَ البحارَ فجاءتْهُ وأغفَتْ ترتاحُ في الشطآنِ
أسَندَ البحرُ رأسَه وتمنَّى أَمنياتُ البحارِ،أَحلى الأَمانِي
واتَّكَتْ كفُّهُ على صَدَفاتٍٍ فَهَمَى لؤلؤٌ بكلِّ مكانِ
حلمَ البحرُ ذاتَ ليلٍ فلمَّا أصبحَ الصبحُ .. كانَ محضَ عيانِ
فعلى "اسكندريةَ" البحرُ أَرسَى فإذا الشِّعرُ بيتُهُ اْسكندراني
مصرُ... يا مصرُ إذْ ذكرتُكِ ضَجَّتْ في قصيدي مباهجٌ وأغاني
فحقولٌ من البنفسجِ شِعري وقوافيَّ شهقةُ الريحانِ
وحروفي براعمُ اللوزِ لكنْ نقطةُ الحرفِ حبةُ الرُمَّانِ
رغمَ هذا ومصرُ أعلى وأغلى فاعذروني ما كان في إمكاني
ريشتي حاولت، وقولي، ولكنْ أعجزت مصرُ ريشتي ولساني