بسم الله الرحمن الرحيم
الاخلاص في الدعوة الى الله
محمد بن سعيد المسقري
الإخلاص في الدعوة إلى الله الإخلاص هو تجريد القصد لله تعالى ، وطلب
مرضاته دون سواه ، وهو روح الأعمال وأساس قبولها عند الله ، قال تعالى : "
فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " .
ولا
يتحقق الإخلاص في الدعوة إلا عندما يتأكد الداعية أن قصده رضا الله تعالى ،
ويتجرد من الانقياد وراء حظوظ النفس ونوازع الهوى ومطالب الذات ، ويحرر
نفسه من قيود الرياء ، وطلب الشهرة أو المدح أو الظهور أو السمعة ، أو حب
التصدر والرئاسة والجاه ، ويتخلص من السعي خلف شهوة المال والجاه ، وطلب
المنزلة في قلوب الناس واستقطابهم ، أو السعي وراء أي متاع من متع الدنيا
وجعل الدعوة وسيلة له .
أهمية الإخلاص في الدعوة :
لئن
كان الإخلاص مهما في جميع أعمال المسلم ، وركن أساس من أركان استقامتها
وقبولها ، فإنه بالنسبة للدعوة إلى الله تعالى أهم وأجدر بمن تصدى لهذا
العمل الشريف - ومن المفترض أن يكون الجميع كذلك - ، و ذلك لعدة أسباب
رئيسة من أهمها :
أولا : إن طريق الدعوة طريق شاق ، مليء بالأشواك
والمصاعب ، وليش مفروشا بالورود والرياحين ، فالداعية فيه في أمس الحاجة
إلى صبر شديد يعينه على تحمل هذه المشاق والمصاعب كجفاء الناس وغلظ
معاملتهم ، وقلة تقبلهم ، وهذا الصبر لا يتأتى إلا بوجود قوة نفسية كبيرة
يستمدها الداعية من الإخلاص .
ثانيا : تحتاج الدعوة إلى الله تعالى
إلى راحة نفسية وطمأنينة بال ، وصفاء فكر ، لأن الشخص المضطرب نفسيا
والمشتت فكريا ليس له إنتاجية عملية في المجتمع ، لاستنفاد طاقاته الفكرية ،
والإخلاص دائما أساس الراحة النفسية ، فمن طلب الآخرة توحدت همته ، وتجمعت
همومه في هم واحد ، بينما الطالب للدنيا ورضا النفس تتشعب به أوديتها ،
ويهيم في بحار مقاصدها المختلفة ، ويتشتت بين مطالبها :
إذا جعلت الهم هما واحدا .*.*.*.*.*.*. نعمت بالا وغنيت راشدا
ثالثا
: أغلب أعمال الدعوة إلى الله تعالى تكون مكشوفة ظاهرة للعيان ، تكون في
أوساط الناس ، فهي معرضة للرياء والتصنع والتكلف أكثر مكن غيرها .
رابعا
: كثر في هذا الزمان السعي وراء الشهرة ، واللهاث خلف السمعة ، وأصبح حب
الظهور والتصدر ، مقصد ومفخرة كثير من الناس ، فوجب على الداعية أن يكون
حذرا من هذا المنحدر الخطير ، بالتمسك بأهداب الإخلاص .
خامسا :
الدعاة مستهدفون في كل زمان ومكان ، من جميع أعداء الإسلام ، ودعاة الرذيلة
والفساد ، فأعدائهم يحيطون بهم من كل ناحية ، والحصن من ذلك كله ، في
الإخلاص لله تعالى والاعتصام به .
سادسا : الدعوة إلى الخير من
أكبر ما يغيظ الشيطان ويوغر صدره ، فهو واقف بالمرصاد لكل من سلك هذا
السبيل ، بالتلاعب في نيته ، وتثبيط عزيمته ، وتخذيل همته ، ولا سبيل
لمقاومة كيده إلا بالإخلاص لله تعالى .
سابعا : الإخلاص مظنة تقبل
الناس لأفكار الداعية ، واستماعهم لكلامه ، واقتناعهم بما يطرحه عليهم من
أفكار ، فالناس دائما ينفرون من صاحب المصالح الشخصية ، ويجدون فجوة بينه
وبينهم ، فيصمون آذانهم عن الإصغاء لكلامه ، ويغلقون عقولهم عن تقبل أفكاره
.
ثامنا : الداعية محتاج دائما لتأييد الله تعالى ، ونصرته ،
ومعونته ، ولا يحصل على هذا التأييد وهو بعيد كل البعد عنه سبحانه وتعالى
بالتعرض لمرضاة غيره والنزوع لشهواته .
تاسعا : الإخلاص من أكبر أسباب البركة في جميع الأعمال .
ما يعين على الإخلاص في الدعوة :
أولا
: تيقن الداعية تيقنا كاملا ، أن الناس لا يملكون لأنفسهم جلب نفع ولا دفع
ضر ، فهم من باب أولى لا يملكون ذلك لغيرهم ، وليعلم أنه لو سجد له الناس
من يوم ولادته حتى وفاته ، ثم صار إلى النار لم يفده ذلك شيئا ، وأن كل من
يرائيهم ويجاملهم ، سيأتون يوم القيامة في أمس الحاجة إلى حسنة تدفع عنهم
عذاب شر النار .
ثانيا : الزهد في الدنيا ،ومعرفة حقيقتها ، وقيمة
لذائذها وحظوظها ، فإن الزهد الحقيقي إذا تمركز في نفس الداعية ، انتفى طلب
المصالح الشخصية ، والسعي وراء متع الدنيا ، لصغر قيمتها في قلبه .
ثالثا
: الحرص على الأعمال الخفية - خاصة في بداية الطريق - حتى تتعود النفس على
تجريد القصد لله ، ثم يبدأ في الأعمال الظاهرة ونفسه قد تشربت الإخلاص ،
وأصبح طابعا لها ، ثم يتدرج في هذا السلم بعد ذلك ، ولا ينبغي له أن يقفز
مباشرة إلى الأعمال الجلية ، فإن اشتاقت نفسه إلى الأعمال التي ينتشر صيت
صاحبها بين الناس فليتهم قصده .
رابعا : تدبر آيات النعيم ، وما أعده الله لأوليائه ، حتى تتشوق النفس لذلك ، فتنحصر الهمة في طلبه .
خامسا
: الاطلاع على سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، وسير السلف الصالح ،
ليأخذ منهم الحرص على الإخلاص ، ويتعلم وسائل تنميته .
سادسا :
استشعار رقابة الله تعالى ، واطلاعه عليه في كل لحظة ، ومعرفته بجميع
حركاته وسكناته ، وجميع ما يدور في قلبه ، وما تنطوي عليه نفسه .
ما ينافي الإخلاص في الدعوة :
إن
من أعظم ما يقدح في إخلاص الداعية ، ويفسد أعماله آفة الرياء ، وهو العمل
لأجل الناس واستقطابهم ، واستمالة المجتمع لشخص الداعية لا لدعوته .
حتى
يتحقق الإخلاص في الدعوة ، لا بد أن يتخلص الداعية من الآفات النفسية التي
تخل بإخلاصه ، وتوجه نيته إلى غير رضا الله تعالى ، ومن أهم هذه الآفات :
أولا
: حب الشهرة وهو التطلع إلى انتشار الصيت والسمعة بين الناس ، حتى يصبح
مشهورا عندهم ، معروفا لديهم ، وعلامته أن يميل إلى الأعمال التي تشهر اسمه
، وتظهر شخصيته ، وينفر من الأعمال التي تغمر هويته ، ومن علاماته أيضا حب
المخالفة والاعتراضات لكونها طريقا سهلا للشهرة وذياع الصيت ، ومن أكبر
إماراته حب نسبة الأعمال إليه ، أو ما يسمى بالسرقة الأدبية والفكرية .
ثانيا
: حب التصدر والظهور وهو التطلع إلى حيازة أماكن الصدارة ، فإذا جلس في
مجلس فلا يقنع بما دون صدره ، وإذا عقدت ندوة فلا يرضى إلا أن يكون في
الواجهة ،وإذا نسب مشروع إلى مجموعة ما وهو من بينهم ، لا بد أن يوضع اسمه
في الصدارة وهكذا ، ويحز في نفسه أن يوضع في غير هذه المواضع ، كما يحب أن
يمشي الناس خلفه ، ويعجب بالتفاف الطلاب والمريدين حوله .
ثالثا :
حب المدح وهو القيام بالأعمال الدعوية من أجل الحصول على امتداح الناس ونيل
إطرائهم ، وعلامته أن يجد الداعية ميلا للأشخاص الذين يتملقون له
ويمتدحونه ، وينفر من سواهم ممن يدلونه على أخطائه أو يهمشون دوره ، ولا
يعترفون بأفضاله الدعوية - على حد زعمه - ولا يغشى إلا المواطن التي تطرى
فيها أعماله ويكثر فيها إطراؤه .
رابعا : جعل الدعوة وسيلة لجلب
المال ، وعلامة ذلك أن يسعى جاهدا في الأعمال الدعوة التي يجنى من وراءها
مالا ، ويتكاسل عن غيرها ، بل قد يرفضها البتة .
خامسا : جعل
الدعوة وسيلة لشهوات دنيوية أخرى .. وذلك أن يدخل في سلك الدعوة من أجل
التقرب إلى امرأة لأجل الزواج ، أو التقرب إلى شيخ أو إمام ، للحصول على
منفعة دنيوية لديه .
كيف يختبر الداعية إخلاصه ؟
لكي
يعرف الداعية إخلاصه في عمل دعوي معين ، أو نيته التي دخل بها السلك
الدعوي ، ينظر إلى الباعث الذي بعثه للعمل ، ويراجع نفسه في الغرض الذي
نشطه لهذا العمل من بداية الطريق .
فإن غالطته نفسه في ذلك وأبت إلا
ادعاء الإخلاص ، فليتصور عدم تيسر العمل ، فأول شيء يحز في نفسه فقده هو
الباعث الذي بعثه للعمل ، فإن تألمت نفسه لفقد الأجر والمثوبة فتلك نيته ،
وإن تألمت لفقد شيء آخر ، فهو نيته .
أو يتصور قيام غيره بالعمل - ممن
هو كفؤ له - بنفس الكيفية ونفس النتيجة ، فإن لم يغير ذلك في نفسه شيئا فهو
مخلص ، وإن تعكر مزاجه لاقتران العمل باسم غيره ، فليراجع إخلاصه .
وإذا كان العمل ينشر إلى الناس باسم صاحبه ، فليتصور نسبة العمل لغيره ، فإن عز في نفسه تجاهل اسمه فليعد النظر في نيته .
وهذه مجرد اقتراحات وجهة نظر قد تخطئ وقد تصيب .
أثر الإخلاص في الدعوة :
الإخلاص
سبب مباشر وطريق موصل لنجاح دعوة الداعية ، وإتيانها الثمار المطلوبة ،
لما يورثه الإخلاص من راحة نفسية وقوة قلبية تعين صاحبها على التخطيط
السليم واجتياز مصاعب الدعوة ، وتحمل مشاق التبليغ .
نصر الله كل من دعا إلى الخير ، وأرشد إلى طريق الصلاح .
طريق الاسلام