معنى الكفارة, ولما سميت بالكفارة؟
الكفارة
هي ما يكفر به الآثم من صدقة أوصلاة أو غير
ذلك، وسميت الكفارات بهذا الاسم؛ لأنها تكفر الذنوب
وتمحوها
وتسترها، وتتعلق الكفارات بأبواب كثيرة من أبواب الفقه،
كفارة وطء الحائض :
يحرم على الرجل أن يطأ زوجته في دبرها وكذلك يحرم عليه أن يطأها وقت
الحيض في فرجها، فإن فعل ذلك،
وجب عليه
كفارة للإثم الذي ارتكبه إذا كان عامدًاعالمًا
بالتحريم، فيتصد ق بدينار إذا كان وطأها، في إقبال الدم، وبنصفدينار
إن كان وطأها في إدباره، والأرجح أن يتصدق بدينار أو نصف دينار،لقول
النبي (صلى الله عليه وسلم)
( في الذي أتى امرأته، وهي حائضة يتصدق بدينار أو نصف دينار))
رواه(أبودود والنسائي وابن ماجة).
وذلك لأن التصدق الذي هو كفارة حكم متعلق بالحيض، فلم يفرق بين
أوله وآخرة.
وإذاوطأ الرجل زوجته بعد انقطاع الحيض، وقبل الطهر؛ فليس عليه
كفارة، لأن سبب
الطهارة قد زال، ولو وطأ أثناء الطهارة فحاضت أثناء الجماع لا
كفارة عليه،وكذلك لا تجب الكفارة على الجاهل والناسي في الأظهر .
وعلى المرأةكفارة إذا أغرت زوجها، أو
رضيت بالوطء ، أما إذا كانت مكرهة أو غير عالمةبالحكم، فلا كفارة عليها،
والمرأة النفساء كالحائض تمامًا بتمام .
دين الكفارة والزكاة :
تجب الزكاة بشروط، منها الحرية والإسلام، والبلوغ والعقل، وكون
المال مما يجب
فيه الزكاة، وبلوغ المال النصاب، والملك التام للمال،
وحَوَلان الحول،
والزيادة عن الحاجة الأصلية، وعدم الدين، أما الدين الذي ليس له
مطالب من
جهة العبادة كدين النذور ودين الكفارة، والحج، فلا يمنع خروج
الزكاة ولا يمنع الدين وجوب العشر في زكاة الثمار والزروع، كما لا يمنع
خروج الكفارة
فلا يمنع الدين وجوب التكفير بمال على الأصح .
كفارة الصوم :
تجب الكفارة على من جامع زوجته في نهار رمضان عمدًا؛ لأنه إفساد صوم رمضان
خاصة بغرض انتهاك حرمة الصوم، من غير سبب مبيح للفطر . فعن أبي
هريرة (رضيالله عنه)
قال: جاء رجل إلى النبي ( فقال:
هلكتُ يا رسول الله. قال: (وماأهلكك ؟) قال: وقعت على
امرأتي في رمضان. قال: (هل تجد ما تعتق رقبة ؟قال: لا. قال فهل تستطيع
أن تصوم شهرين متتابعين؟) قال: لا. قالفهلتجد ما تطعم ستين مسكينًا).
قال : لا . قال أبو هريرة: ثم جلس فأتى النبي بعرق (مكتل) فيه تمر. قالتصد ق
بهذا ). قال: فما بين لا بتيها أهل بيتأحوج إليه من منا ؟! فضحك
النبي ( حتى بدت نواجذه، وقال: (اذهب، فأطعمهأهلك).
[رواه الجماعة]
أنواع كفارة الصوم :
كفارة الجماع في نهار
رمضان ثلاثة أنواع:
العتق، والصيام، والإطعام .
(1)
العتق: ويقصد به تحرير رقبة أيا كان نوعها
ولو غير مؤمنة، واشترط الأحنافأن
تكون مؤمنة, وعتق الرقبة أصبح غير موجود الآن، فسقط في عصرنا، ويعودبعودة العبيد
(
2)الصيام
:
فإن عجز عن العتق، أو لغياب العتق، فيجبعليه
صوم شهرين متتابعين، ليس فيهما يوم عيد، ولا أيام تشريق، ويجب عليه
التتابع
إلا إذا أفطر ناسيًا أو لغلط في العد د
أما إذا تعمد، فيجب عليهأن
يبدأ الصوم من جديد .
(3)الإطعام:
فإن لم يستطع الصوم، لمرض أو ضعفشد يد،
فإنه يطعم ستين مسكينًا، لكل مسكين غداء وعشاء ، ومن عجز عن أي نوعمن
الكفارات، تلزمه في ذمته، وقضاؤها دين عليه متى استطاع، أو تيسر له .
تكرر الكفارة:
وتكرار الكفارة له حالتان:
(1)أن يجامع الرجل زوجته أكثر من مرة في يوم واحد، وهذا عليه كفارة واحدة باتفاق العلماء .
(2)أن يتكرر الجماع في أكثر من يوم، وهذا عليه لكل يوم كفارة على الأرجح .
كفارة اليمين :
إذا أقسم الإنسان على شيء ، وحنث(رجع في حلفه)، بأن فعل ما حلف على
تركه،أو ترك ما
حلف على فعله، فتجب عليه كفارة اليمين، وهي الإطعام أو الكسوة،
أو عتق
رقبة، فإن لم يستطع، فعليه صيام ثلاثة أيام سواء أكانت متتابعة
أم منفردة، قال تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو
في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتمالأيمان
فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو
تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم
واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون}
[المائدة :89]
واختلففي إخراج القيمة عن الإطعام
والكسوة، فالجمهور على المنع، وأجازه أبوحنيفة (
رضي الله عنه)
، كما يرى الجمهور جواز تقديم الكفارة على الحنثوتأخيرها عليه،واستدلوا
بقول النبي (
من حلف على يمين، فرأى غيرهاخيرًا منها، فليكفر عن يمينه
وليفعل )
]
مسلم وأبو داود والترمذي]
وقالوا:-
إن تقديم الكفارة يجعل القد وم على الحنث لا يعتبر إقدامًا على غير مشروعأو
إقدامًا في فعل الإثم،لأن تقديم الكفارة يجعل الشيء المحلوف عليه
مباحًا،
ولأن من قدَّم الحنث على الكفارة هو شارع في معصية،ولا يدري أنيتمكن
قبل موته من الكفارة أم لا، ولا يمنع ذلك عندهم جواز تأخير الكفارة،لقوله
النبي (
من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها،
فليأتها، وليكفرعن يمينه) ]
مسلم]
ويرى أبو حنيفة أن
الكفارة لا تجب إلا بعد الحنث،لأن الكفارة سبب للحنث،لا
تجب إلا بعد وقوعه، واستد ل بقول النبي)
فليكفر عن يمينه، وليفعل الذي هو خير) [ مسلم]
كفارة النذ ر :
كفارة
النذر ككفارة اليمين، لحديث ابن عباس( رضي
الله عنهما) أن رسول اللهقال
( من نذر نذرًا لم يسمه، فكفارته
كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصيهالله، فكفارته كفارة يمين،
ومن نذر نذرًا لا يطيقه، فكفارته كفارة يمين،ومن نذر نذرًا أطاقه فليف
به)
[مسلم وأبو داود والنسائي].
كفارة القتل:
تجب كفارة القتل في حالتين: في
القتل الخطأ، وفي القتل العمد إذا عفا ولي الد م.
أولا الكفارة في القتل الخطأ:
إذا
فعل الإنسان شيئًا يُباح له، فقتل غيره خطأ، كأن يكون أراد
الصيد فأصاب
مسلمًا معصوم الدم، أو حفر حفرة، فتردى فيها إنسان غيره، أو فعل
شيئًا كان
السبب في قتل غيره، ولم يكن يقصد إيذاء. فضلا عن غرض القتل، فهو
قتلالخطأ،
ويلحق بالقتل الخطأ القتل العمد الصادر من غير المكلف، كالصبيوالمجنون،
فتجب الكفارة حينئذ، ويجب أن تكون الكفارة من مال القاتل،بالإضافة
إلى الدية المخففة، إذا كان قادرًا .
وكفارة القتل الخطأتحرير
رقبة مؤمنة، ولم تعد هناك رقاب في زماننا، فتكون كفارة القتل الخطأمقصورة
على صيام شهرين متتابعين، فإذا وجد العبيد في زمن رجع الحكم؛ قالتعالى:
{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطئًا ومن قتل مؤمنًا
فتحريررقبة مؤمنة ودية مسلمة إلي
أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو
مؤمن فتحرير
رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلي
أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من
اللهوكان الله عليمًا حكيمًا} ]
النساء : 92].
وإذا اشترك اثنان فأكثر في قتل رجل واحد خطأ ، قيل يجب الكفارة
على كل واحد منهم، وقيل : يجب عليهم كلهم كفارة واحدة.
الكفارة في القتل العمد :
إذا اقتص من القاتل العمد، فلا تجب عليه كفارة، فالقصاص كاف،
أما إذا عفا أولياء القتيل، فتجب عليه الدية والكفارة .
وجمهور الفقهاء يرون
أن القتل العمد ليس فيه كفارة ؛ لأنه إثم كبير،تكفيره القصاص بقتل القاتل،
قال تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه
جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا}
[النساء 93].
ويرى الشافعية أن
الكفارة تجب في القتل العمد، لأن الكفارة إن شرعت لتكفير الإثم في القتل الخطأ،
فهي في القتل العمد أولى.
كفارة يمين الإيلاء:
إذا حلف الرجل إيلاء على زوجته ألا يقربها مدة أكثر من أربعة أشهر،
وقبل هذه
المدة أراد أن يراجع زوجته، فعليه كفارة يمين الإيلاء ، فإن كان الحلف
بالله أو صفة من صفاته، فقال: والله لا أقربك. فعلية كفارة
يمين، وهي
إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة . فإن لم يجد
شيئًا من ذلك،وجب
عليه صيام ثلاثة أيام .
وإذا كان الحلف بالشرط والجزاء، مثل : إن قربتكفعلي
فعل كذا، فيجب عليه الفعل الذي اشترطته على نفسه، ولا يكون هناكإيلاء
بعد الكفارة،قال تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء
ما لم
تمسوهن أو تفرضوا لهن
فريضة ومتعوهن علي الموسع قدره وعلي المقتر قدرهمتاعًا
بالمعروف حقًا علي المحسنين.
وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد
فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة
النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوي ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما
تعملونبصير} ]
البقرة: 226-227]
والطلاق الذي يقع بسبب الإيلاء طلاق بائن،
لأنه لو كان رجعيًّا؛ لأمكن للزوج أن يجبر زوجته على الرجعة،
ولَلَحِقها
ضرر واضح، ويرى البعض أنه طلاق رجعي .
كفارة الظهار:
الظهار هو قولالرجل لزوجته: أنت على كظهر أمي. وهو نوع من أنواع الطلاق في الجاهلية،لأن
الرجل يقصد به تحريم زوجته عليه، كما حرم عليه أخته وأمه، ولقد ظاهرأوس بن
الصامت من زوجته خولة بنت ثعلبة، فلما ذهبت تشتكي إلى رسول الله
نزل القرآن يوضح حكم الظهار في الإسلام، وأوضح كفارته .
وقد جاء القرآنبكفارة الظهار، قال تعالى:
{
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا
فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير.
فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن
لم يستطع فإطعام ستين
مسكينًا ذلك لتؤمنوا بالله
ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم} [
المجادلة: 3-4]
ولما جاءت خولة تشتكي إلى النبي ( فقال النبي (يعتق رقبة قالت للنبي (: لا
يجد. فقال النبي (فيصوم شهرين متتابعين) )
. قالت خولة: يا رسول الله إنه شيخ كبير، ما به من صيام.
قال النبي(فليطعم ستين مسكينًا). قالت خولة: ما عنده شيء يتصدق به، فأتى
بعرق من
تمر، فقالت خولة: فإني سأعينه بعرق آخر. فقال لهاالنبي
( : (قد أحسنتِ،
اذهبي، فأطعمي بهما عنه ستين مسكينًا، وارجعي إلى ابن عمك).
يقصد زوجها) [
أبو داود]
والكفارةثلاثة أنواع :
أولا: عتق رقبة سالمة من العيوب،
صغيرة كانت أو كبيرة، ذكرًا أو أنثى .
ثانيًا : فإن لم يجد (كما هو الحال في عصرنا) فصيام شهرين متتابعين،
فإن أفطر عامدًا في يوم استأنف الصوم من أوله.
ثالثًا : فإن كان مريضًا بحيث لا
يستطيع أن يصوم، فيطعم ستين مسكينًا.