كل يوم
يمر علينا يثبت بمزيد من التأكيد أهمية الإعلام كسلاح ذي حدين في تشكيل
عقول البشر، مهما بلغت قدراتهم العقلية أو مستوياتهم التعليمية. الأمر الذي
بقي على حاله هو التلاعب بالمعلومات وتفسيرها حتى إنها لتظهر الحق باطلاً
والباطل حقاً.
وأكثر من يشم منهم رائحة الخطر طائفة مندسة بين أظهرنا يتكلمون
بألسنتنا، ويحملون ملامحنا، ولكنهم يظهرون تلبيسهم كما أبان لنا الله تعالى
حالهم في كتابه الكريم بقوله: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ
الْقَوْلِ)، خاصة عندما يتناول الحديث المرأة وبالتالي الأسرة التي تشكل
عمادها.
ومن لحن القول الذي يظهر، ويكتسب زخماً إعلامياً هائلاً في هذه الأيام
ما يردّده أدعياء النهوض بالمرأة وبالتالي المجتمع، وكأنها تعيش في مجتمعات
منحطة في تعاملها معها! ولقد كانوا فيما مضي يردّدون أن المرأة لابد أن
تظهر صوتها، وتنزع عن نفسها وصاية من يسمونهم بـ "رجال الدين" الذين يؤطرون
قضاياها وفق رؤيتهم الخاصة التي يلبسونها لبوس الدين حتى يوصلوها إلى درجة
العصمة فلا يستطيع أحد مجادلتهم فيها. وهذا الأسلوب إسقاط بدائي مبتذل لما
فعله رواد النهضة الفكرية في أوروبا النصرانية التي تواطأ فيها رجال الدين
النصارى مع الملوك الإقطاعيين، فصبوا على الشعوب المستضعفة ألواناً من
الأحكام التعسفية التي اضطهدتهم، وحجرت على عقولهم، ومنعتهم من تحقيق أي
نوع من الرقيّ الحقيقي. فعندما ثارت الطلائع المفكرة من فلاسفة أوروبا
وعلمائها على التسلط الديني والاستبداد السياسي نجحت في مشروع نهضتها الذي
نقلها من أمة مستضعفة إلى أمة قوية سادت العالم، وفرضت هيبتها عليه.
الغريب أن عدداً من نسائنا عندما تكلمن وقطعن بصوتهن الهادئ المتزن
النزاعات التي كان الرجال يثيرونها نيابة عنهن، أو عبر عدد قليل جداً ممن
يزعمن الاستنارة الفكرية والحرية، جاءت ردة فعل أدعياء نهضة المرأة بنغمة
نشاز ممجوجة؛ إذ تعالت تلك الأصوات قائلة إن المرأة عندنا ليست ناضجة بدرجة
كافية لتتخذ قرارات مصيرية بشأن نفسها.
زعموا أنها في السابق كانت مكمّمة، وأن الرجال (خاصة الفقهاء بتوظيفهم
أحكام القوامة) يتكلمون عنها، وتغير الحال اليوم، وأصبحت ليست مهيأة لتطالب
بحقوقها.
فما الحل عندهم إذن؟
واضح أن الحل عندهم هو العودة إلى رأي فئة قادرة -بزعمهم- على المطالبة بحقوق المرأة نيابة عنها.
إذن هي وصاية من نوع جديد!
فبدلاً مِن أن ينطلق الوصي مِن قال الله وقال رسوله صلى الله عليه
وسلم، يأتي مَن يتحدث بلسان عربي مملوء بأفكار سارتر، وسيمون دي بوفوار
ليكون وصياً عليها.
فأي الأوصياء خير!