في
خضمّ الأحداث المتلاحقة التي تشهدها العديد من الدول العربية الآن والتي
وضحت بداياتها، ولم تتأكد نهاياتها حتى هذه اللحظة، ربما نكون قد أدركنا أن
هناك قيمة عظيمة الشأن افتقدناها في مجتمعاتنا العربية، وربما يكون
افتقادنا لتلك القيمة هو الباعث الأول لكافة المشكلات والمعوقات التي حدّت
من قدرتنا على التطوّر والتميّز.
إنها قيمة الحوار.
والحوار
في تعريفه هو نشاط ذهني ولفظي يعرض فيه المتحاورون الأدلة والحجج
والبراهين التي تبرّر وجهات نظرهم بحرية تامة؛ من أجل الوصول إلى حلٍّ
لمشكلة أو توضيح لقضية ما. وللحوار آداب متفق عليها؛ منها: أن يكون كافة
الأطراف على دراية كاملة بموضوع الحوار، وأن يحترم كل طرف قيم ومبادئ الطرف
الآخر، ويراعي حالته النفسية، وأن يكون الدافع الرئيس لدى جميع أطراف
الحوار هو الوصول للحقيقة والصواب. ومنها أن يتأدب كل طرف مع الآخر باختيار
الألفاظ المناسبة التي يرتضي المحاور أن يسمعها من غيره، وتجنّب الغضب
وأسبابه، مع الحرص على الاعتدال حتى ينتهي الحوار.
ومنها
أيضًا أن يكون لدى كافة الأطراف قدرة على التعبير، وأن تكون لديها وسائل
للتعبير، والإصغاء للطرف الآخر، والاستفادة من طرحه، وكبح جماح النفس عند
الرغبة في الجدال، وأن يكون لدى كافة أطراف الحوار قبول الاعتراف بالخطأ في
حال خالف الصواب، ومنها المرونة، وعدم التمسك بالرأي حتى لو كان يخالف
الصواب.
الحقيقة
أننا عندما نقيم مدى التزامنا بالآداب المذكورة في حواراتنا المجتمعية
وحتى الأسرية والفردية سنكتشف للأسف الشديد أننا لم نتحاور قط، ولهذا فقدنا
فرصتنا في الوصول للحقيقة في الكثير من جوانب حياتنا.. وربما لم ولن تأتي
لحظة نستشعر فيها أهمية الحوار مثلما نستشعرها الآن.
دعونا
نتحدث بشفافية كاملة، ونؤكد على أن التغيير في هذه المرحلة هو أمر بدهيّ
وحتميّ، وإذا تغيّر العالم حولنا، ولم نتغير نحن سنخرج تمامًا من سباق
الأمم نحو التقدم والتطوّر، وندور مع أنفسنا في دائرة مغلقة عقيمة، ولكن ما
ليس بدهيًّا أو حتميًّا هو أن نسلك ذات الطريق الذي يسلكه الآخرون
للتغيير، وأن نحصل على التغيير بنفس الكلفة التي تحمّلها غيرنا.
إن
تشابه أهداف وطموحات الشعوب لا يعني على الاطلاق أن هناك طريقًا واحدًا
يجب أن تسير فيه لتحقيق أهدافها وطموحاتها. أين هذا الطريق الذي يستوعب
الجميع باختلاف خصائصه وسماته وثوابته وإمكانياته؟!
نحن
في أمس الحاجة الآن لإدارة حوار مجتمعي راقٍ يستهدف الوصول إلى إجابة
وافية لسؤال محدّد وواضح يشكل جوهر التغيير: ما هي مكونات التغيير السياسي
والاقتصادي والثقافي والاجتماعي التي تمكننا من التطوّر والتقدّم والرقيّ
دون أن نتنازل عن هويتنا وثوابتنا؟
إذا
أدرنا هذا الحوار (حكومة وشعبًا) بشفافية ورغبة صادقة في الوصول إلى
الحقيقة سنتمكن بمشيئة الله وتوفيقه من إحداث تغيير يضعنا في مصافّ
الأمم... وبأقل تكلفة ممكنة.