حاجتنا للبوح أحيانا
العلة التي يعاني منها بعضنا
هو الحاجة إلى الكلام
البوح
إلى إطلاق ما في الصدر
من آهات مكتومة
حتى الثرثارون منا
في حاجة إلى
من يستمع لهم
بل إن ثرثرتهم ليست أكثر من نداء
استغاثة للآخرين كي يستمعوا لهم
فهناك شيء , بل أشياء كثيرة ,
يريدون قولها , لكنهم يخافون
أو لعلهم لا يجدون
من يحسن الاستماع
و الاستماع
فن راق
وعال الثمن أيضا
وهذا تحديداً ما يفعله
الأطباء النفسيون
هم لا يقدمون حلاً ,
ولا يعطون دواء أكثر من
استماعهم لشكوى المريض
هم يملكون الوقت من اجل ذلك ,
لأن ذلك هو عملهم
وهو أفضل ما يقدمونه لزائرهم
تستطيع أن ترى في عيني أقرب الناس لك
فيضاً من الرغبة في الكلام
إنها الرغبة ذاتها التي تسكن أعماقنا ,
أنا وأنت
ورغم بساطة المبدأ
إلا أنه عصي على التطبيق
ذلك أننا لا نملك الوقت لنستمع لأحد
ونحن نبحث عمن يستمع لنا أولاً
ثم نخاف من البوح عما في داخلنا
ونخاف أن نكشف أنفسنا أمام الآخر ,
أن نصبح ضعفاء أمام المقربين منا تحديداً
من أجل هذا
نلجأ إلى الغريب نتحدث معه
قد يكون طبيباً نفسياً ,
أو حتى شخص عابر ,
متى وثقنا به
تحول أكثرنا كتماناً
إلى آلة ناطقة لا تتوقف
في داخلنا آهات كثيرة ,
وخيبات أعظم من أن يستطيع
من هم حولنا اكتشافها
فتبقى ناراً نتلظى بها
هذه الآهات لابد أن تغادرنا
وإلا امتصت كل قوتنا, و طاقتنا , و أحلامنا
يذكرني الأمر بالحيتان
التي تخاطب بعضها بأصوات
ذات ترددات منخفضة
يعجز البشر عن التقاطها ,
لكن أجهزة الرصد ترصدها
بالنسبة إلينا نحن البشر
فإن أجهزة رصدنا يجب أن تكون
في الآخر الذي نعيش معه ,
وفي أقرب الناس منا
من اجل ذلك يغادر الحبيب حبيبه ,
والصديق صديقه
عندما يعجز أحدهما
عن الاستماع للآخر
عندما تعجز لواقطه عن التقاط الآهات
منخفضة التردد في داخلنا
رغم تعاظم أصواتنا
والأحاديث التي لا تنتهي بيننا
في منازلنا أو شوارعنا
إلا أن الصمت يطوقنا ,
صمت الداخل يأسرنا
فنحن نريد أن نقول أشياء أخرى كثيرة
غير تلك التي نثرثر بها
اللسان يتحدث ,
لكن النفس صامته
هكذا ننفصل عن بعضنا
ولو تصافحنا وتعانقنا
ونرتضي باجترار آهاتنا
في سكون وألم
حتى يأتي يوم يصبح فيه الجسد
أضيق من حدود الصمت
فينفجر كل شيء دفعة واحدة
كماء غاضب عجز المانع الصلد عن صده
للكاتب هاني إبراهيم نقشبندي