عزيزى القارئ
حدثت أحداث هذه القصة عندما كان كاتبها فى الثانية عشرة من عمره , وهو فى الصف السادس الإبتدائى حيث كتب:.
ففى أحد الأيام وفى حوالى السادسة صباحا
صحوت من نومى على آلام بذراعى اليمنى وكأنها تحترق صرخت من شدة الأم ففزعت
والدتى من نومها وجرت من غرفتها متجهة نحوى وهى تصرخ , مالك مالك عبد
الرحمن , فيه إيه , وضمتنى إلى صدرها وحملتنى إلى غرفتها وبسرعة البرق
أيقظت والدى من نومه وقالت وهى تبكى قم يأبو عبد الرحمن شوف عبد الرحمن
ماله , بيصرخ ليه .
وفى لمح البصر كان والدى قد إرتدى ملابسه ثم توجه بى إلى إحدى المستشفيات
الحكومية وبعد الفحص تناولت بعضا من الأدوية والحقن وعدت إلى منزلى بعد أن
تلاشى الألم .
وفى نهاية اليوم توجها بى إلى أحد الأطباء بعيادة خاصة , لكنه لم يعرف سبب
ألمى , وفى الليل عاودنى الألم مرة أخرى ليحملنى والدى لنفس المستشفى
الحكومى وأتناول نفس جرعة العلاج التى كانت تسكن الألم , وفى صباح اليوم
التالى عاود نفس الألم بشدة فى الجانب الأيسر , وبدأ اللألم يتنقل مابين
الذراع والجانب الأيمن والأيسر , وكان يعاودنى فى الصباح الباكر وفى المساء
المتأخر , مكث هذا اللأم قرابة تسعة وعشرون يوما , ترددت خلالها على أكبر
أطباء الإسكندرية , وكان من بينهم أحد أطباء الملك فاروق ملك مصر وهو طبيب
فرنسى وكان صديقا لوالدى فى ذلك الوقت , لكن أحدا من هؤلاء الأطباء لم
يستطع تشخيص مرضى بالرغم مابذلوه من عناء من فحوص معملية وأشعات .
حتى صباح اليوم الثلاثون صحوت من نومى وتطلعت إلى سقف الحجرة أنتظر الألم ,
لكنه كان قد تلاشى تماما , صرخت من الفرحة وقفزت من على سريرى حتى أهنئ
والدتى التى لم تذق طعما للنوم طوال التسعة وعشرون يوما , وما أن وضعت قدمى
على الأرض حتى سقطت وإرتضمت رأسى باللأرض فقفزت والدتى وجرت نحوى وحملتنى
ثم وضعتنى على سريرى لتكتشف بأن الطرف الأيسر السفلى لايتحرك , فأيقظت
والدى من نومه وهى تبكى وقالت قوم باأبو عبد الرحمن لقد أصيب عبد الرحمن
بالشلل , نظر إليها والدى وإستغفر ربه وبكى ثم إرتدى ملابسه وحملنى إلى
مستشفى الطلبه فى حى إسبورتنج بالإسكندرية , فحصنى أحد أطباء القلب وكان
يدعى السرياقوسى وكان طبيبا يونانيا وقرر بعد الفحص بأنى مصاب بحمى
روماتزمية , وقرر إيداعى المستشفى , وبعد عشرون يوما والحالة كما هى لم
يطرئ عليها أدنى تحسن الطرف السفلى الأيسر لايتحرك والطرف الأيمن ضعيف
الإحساس , فقرر عمل كونسلتوا مع أحد أطباء المخ والأعصاب وكان إيطالى
الجنسية الذى قرر بأننى مصاب بشلل الأطفال وتم إيداعى بغرفة عزل منفصلة ,
وبدأ علاجى كطفل مصاب بشلل الأطفال , مر أسبوع والحالة كما هى بالرغم من
الأدوية والعلاج الطبيعى إلى أن جاء اليوم الذى لاأنساه طيلة حياتى , فى
هذا اليوم فحصنى طبيب المخ والأعصاب وبعد أن إنتهى من الفحص نظر إلى طبيبة
العلاج الطبيعى والتى كانت تقف بجانبه ثم همس فى أذنها وإنصرف , فإلفتت
الطبيبة ناحيتى وعيناها تدمع وقالت لقد قرر الطبيب المعالج صرف جهاز لك ,
فبكيت بحرقة ثم قلت لها ببرائة الأطفال والله لو لبست جهاز أنا حموت نفسى ,
فربتت على كتفى وقلت حاول ياعبد الرحمن النهاردة بالعلاج الطبيعى , لو
شافك الطبيب غدا تقف على قدميك سوف يلغى الجهاز , كنت فى ذلك الوقت أعشق
كرة القدم وكنت متميزا فى هذه اللعبة , فكيف يكون عجزى وبعدى عنها , وكانت
الساعة قد قاربت على الخامسة بعد العصر فطلبت من الطبيبة أن تحضر لى
المشاية ( مثل مشاية الأطفال التى تستخدم لتعليمهم المشى ) وأخبرتها بأننى
لن أذهب إلى غرفة العلاج الطبيعى مرة أخرى ومن الساعة الخامسة والنصف عصر
هذا اليوم حتى الثامنة صباحا لم أترك هذه المشاية وفى الثامنة والنصف طرق
باب حجرتى فتوجهت بعينانى ناحية الباب فإذا بها طبيبة العلاج الطبيعى ,
وقفت الطبيبة أمام الباب وهى تنظر إلى بسعادة عندما رأتنى داخل المشاية
فإبتسمت لها وقررت أن أقدم لها مفاجأة فمددت يدى وبعدت المشاية بعيدة عن
جسدى وسرت إليها على قدماى وأنا أصرخ فرحا أنا بمشى يادكتورة , أنا بمشى ,
وكانت المفاجأة غير متوقعة للطبيبة فحملت قدماها إلى مسرعة وهى تهلل
بالفرحة وضمتنى إلى صدرها وقبلتنى وبكت بكاء الفرحة وسعادة الإنتصار وقالت
خلاص ياعبد الرحمن مش حتلبس الجهاز خلاص , شكرا يادكتورة أن حقدر ألعب كورة
تانى
وفى هذا اليوم ظهرا وبعد الغذاء أخذت برتقالتى ولعبنا بها الكورة مع مجموعة من زملائى المرضى .
بالعزيمة حملتنى قدماى خلال خمسة عشرة ساعة بعد فشل شهر ونصف تقريبا
والعزيمة عكسها اليأس فاليأس شيطان يدمر رغباتنا وقد يعود بنا إلى الوراء
وعندما ينتصر علينا نخسر شيئا أو أشياء نريدها ويزج بنا لعالم الندم وعذاب
الضميرفلا تلقى بنفسك فى عالمه وتذكر أن الأمل متاح دائما .
واليأس خسارة والخسارة لاتحتاج إلى عناء أومشقة , يمكننا أن نخسر شيئا أو
أشياء ونحن على مقاعدنا باسطى الأقدام أما المكسب فيحتاج إلى مشقة .
( فإتخذ العزيمة دائما حليفك واليأس عدوك اللدود )