الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يكتب: ١٠ حقائق و٧ مقترحات
حقائق الموقف هذه اللحظة عشرة - وخطواته الممكنة الآن سبعة!!
الحقائق العشرة:
١- شعب فى طليعته شبابه الذى فتح أفق المستقبل أمامه.
٢- وجيش يملك ميزان القوة، وهو نفسه جيش الشعب وابنه.
٣-
وأزمة حكم سقط ولا يريد أن يرحل، وفى سبيل البقاء، فهو يريد - بغريزة وحش
جريح - أن يتمسك بموقفه، وأن ينتقم، ولا يبالى فى سبيل ذلك بأن تحدث فتنة
كبرى.
٤- وفى وسط الأزمة زحام من ساسة بغير سياسة، تحركهم أوهام قديمة أو أحلام مستجدة.
٥-
وهناك فى خضم هذا الزحام صفوة من الرجال والنساء لا يعرفون كيف يمكن أن
يتحركوا فى الأزمة، وكثيرون منهم يتحركون بقوة العاصفة ولكن دون بوصلة!!
٦-
لا يوجد من يستطيع بثقة أن يقول إنه يفهم، أو حتى يعرف ما هو المطلوب
الآن، فليست هناك جهة أو هيئة سياسية تحظى بقدر من الشرعية أو المرجعية أو
المصداقية - وأولها البرلمان المصنوع أخيراً بمجلسيه - بما يساعد هذه الجهة
أو الهيئة على الإسهام فى صنع المستقبل.
٧- وهناك عالم مهتم، ومن
الصعب رد اهتمامه، لأنه موجود بالواقع وسط الأزمة، وهو يرى جيل الشباب
ويستشعر إرادة الشعب، ويرى سلامة الجيش ويلمس مسؤوليته، ويرى - أيضاً -
وبجلاء أن هذا النظام لم يعد يقدر على أن يتعامل مع العالم، ولا عاد العالم
قادراً على أن يتعامل معه، فضلاً عن ذلك فهناك أمة من المحيط للخليج تتابع
ومازالت، وأيديها على قلوبها داعية وراجية.
٨- ومن سوء الحظ أن بعض
عناصر هذا النظام تجرب عزل ثورة الشعب عن العالم، بمحاولة إضفاء طابع
عليها ينسب ما وقع فى مصر إلى عنصر أو تيار أو جماعة معينة، وذلك خطأ وخطر،
لكن بقايا النظام تحاول جاهدة - بمزيج من ضيق الأفق ومخزون الخبث - أن
تدفع بهذا الانطباع إلى المواجهة.
كما أن بقايا النظام - بالتوازى
مع ذلك - تتصور المراوغة بالحيلة المعروفة فى الإلهاء السياسى، فتقطع
بنفسها بعض ذيولها «ثلاثة أو أربعة من الوزراء السابقين، وثلاثة أو أربعة
من الأنصار القدامى»، وتلقى بهم على الطريق، لعل مطارديها يتلهون بها، وهذا
خطأ فى عالم السياسة والأخلاق، مما قد يجوز فى العالم المظلم للجريمة
وعصابات المافيا، لكن عالم السياسة والأخلاق يستدعى العدل قبل أن يفرض
العقاب!!
٩- وعنصر الوقت ليس مع أحد، ولكنه ضد الكل، من الأمن
والاقتصاد إلى السياسة والقرار، إلى الأمن القومى، إلى ضرورة العودة إلى
الأمة والعالم بعد أسبوعين من الفوران حتى درجة الغليان!!
١٠- وعليه
فإن أصحاب الحل هذه اللحظة.. شباب وجماهير شعب يعرفون ما لا يريدون، وأوله
رحيل رجل واستقامة نظام، لكن هؤلاء الذين يعرفون ما لا يريدون لابد أن
تتاح لهم الفرصة، لكى يقرروا ماذا يريدون، وهم يقفون فى ذلك صفاً موازياً
وليس معارضاً، لجيش وطنى موجود بقيمته ومسؤوليته، وهو بفكرة الدساتير
بأسرها - ومنذ ظهورها وكتابتها - حامى الشرعية الوطنية، وحامى الأمن
القومى، ولابد بين الشعب والجيش الآن من لقاء.
ولا يمكن لهذا اللقاء
أن يتم إلا بضمانة من الثقة، لابد أن تتوفر، لكى يتنفس الشعب بحرية،
ويلتقط أنفاسه بهدوء، ويتكلم بأمان، ويقدر مسار خطاه بوعى واقتدار.
■ ■ ■
وهنا
وقبل الوصول إلى الحلول الخمسة، تثور نقطة لابد أن تواجه بأمانة وجد
واحترام للنفس وللعصر ولحقائق الأشياء، وهى الكلام عن إجراءات دستورية
لترتيب الانتقال.
ذلك أن تطورات أحوال متلاحقة أصبحت تقتضى تحولات
سياسية كبرى فى الفكر والفعل، وليس صيغاً وعبارات تتزى برداء القانون، وذلك
لأسباب بدهية - بداهة طلوع الشمس وغروبها بينها:
■ أن الدستور
المعمول به الآن، والذى جرى ترقيعه عدة مرات ليتسع لكل ما عاشته مصر من
تضليل طوال سنوات بالعشرات - لم يعد يصلح قاعدة أو سنداً لأية ترتيبات
لبداية جديدة، فلا أحد يستطيع تحويل الخرق البالية إلى ثوب جديد، إلا إذا
كنا نريد البحث عن نافذة من سجن يهرب منها المستقبل عبر الأسوار، لأن
المستقبل لا يهرب من نافذة سجن، وإنما ينطلق بإزاحة كل الأسوار.
■
أن الشعب وهو مصدر الشرعية قال كلمته، وأظهر إرادته، ووضع الأساس لشرعية
جديدة يمكن التعبير عنها بدستور جديد يصدر عن جمعية تأسيسية منتخبة بعد
فترة انتقالية، تفتح الباب لعودة السياسة إلى الوطن مرة أخرى، وتسمح لأجيال
جديدة من الشباب بأن تشارك فى حوار المستقبل الذى يقيمه ويحصنه الدستور
الجديد، ولقد كان الخطأ المتكرر فى تاريخنا باستمرار هو أن مشروعات
الدساتير كتبها قانونيون بطلب من سلطة، ثم جرى عرضها على الشعب، وهذا
استهتار بالسياق التاريخى فى وضع الدساتير، فالدستور يختلف عن القانون، لأن
الدستور عقد وطنى سياسى واجتماعى، يعبر عن مشيئة الأمة، وأما القانون
فعملية تنظيم لاحتياجات الشعب وأمنه، وعلاقات الجماعات والأفراد ببعضهم،
بما فى ذلك خياراتهم فى مجالات حياتهم المتنوعة، وضمان مستقبلهم المشترك.
■
والقول بتعديل الدستور فى عدة مواد ثار حولها اللغط، والترتيب للمستقبل
على أساسها يتطلب مراجعة، لأنه ليس فى مقدور أحد أن يسد ثغرة ما جرى بأى
عملية «ترقيع».
- فرئيس الدولة حامى ذلك الدستور انتهى سياسياً وعملياً.
- والدستور نفسه مهلهل.
- والمجلس المكلف بإعادة ترميم بعض مواده المتهالكة - هو نفسه مجلس مزور.
وأن
يكون لهذا المجلس الذى يُراد فتح باب الطعون فى صحة عضوية من احتلوه
بالتزوير، مسؤولية سد الفراغ وهم لسوء الحظ أغلبية فيه - نوع من التلفيق
بعد الترقيع وبعد التزوير، وفى مطلق الأحوال فكيف يمكن أن يؤتمن على
الدستور مجلس قام على التزوير؟! - وأقسم أعضاؤه اليمين على باطل؟! - وصفقوا
جماعة بخطاب عرش تهاوت قوائمه؟!!
■ وربما يقول قائل - وهو على حق -
إن المرحلة الانتقالية نفسها لابد أن تكون لها ضمانات دستورية، وهنا فإنه
يمكن للدستور الحالى أن يستمر حتى يحل بدله دستور من إملاء الشعب، ولكن بعد
إخلاء ما يكمن فى مواده من أثقال على الحريات العامة، والقيود التى تعوق
العمل السياسى، ومطالب التفكير الحر والتعبير النزيه - وبدلاً من «الترقيع»
فإنه يمكن بجانب ذلك إعلان مبادئ ركيزتها إعلان حقوق الإنسان المؤكدة
للحريات العامة، وفيها حرية التفكير والتعبير والتنظيم والكرامة المكفولة
لكل إنسان، وأن يكون ذلك فى وجود «مجلس قانون» مكون من المحكمة الدستورية
العليا، والمحكمة الإدارية العليا لمجلس الدولة، وبمشاركة مجلس «أمناء على
الوطن» يتم اختيارهم بعيداً عن ذلك التسابق المهين لركوب الموج، وتلك ظاهرة
عرفتها وعانت منها كل الثورات فى التاريخ.
أقول بذلك وأنا أعرف
وأقدر وأحترم فكرة القانون، وأظنها - وقد قلت ذلك مراراً وتكراراً فى كل
الظروف - أفضل ما أنتجه الفكر الإنسانى على طول العصور، فلولا فكرة القانون
ما استقر مجتمع، ولا تقدم بشر، ولا تحرك زمان، لكن الدساتير وهى القانون
الأعلى فى المجتمعات ليست مسألة صياغة، وإنما هى مسألة إرادة - وليست مسألة
نصوص وإنما مسألة قيم، وهنا فإن إرادة الشعب وقيمه هى الأصل، وليست
الصياغة والنص.
ولنتذكر أنه بمنطق الصياغة والنص فى الدستور فإن كل
الملايين التى خرجت لتسقط شرعية الحكم الشخصى يعتبرون متمردين وعصاة - يصح
تأديبهم أكثر مما تصح الاستجابة لطلباتهم.
- النص حق إذا كان تعبيراً عن حقيقة وإرادة خالصة لشعب.
- والنص باطل إذا جاء ليحقق شهوة فى سلطة لا أحد يعرف من أين وإلى أين!!
والنص عاجز إذا كان مجرد كلمات وجمل ومواد يكتبها المبتدئون أو الراسخون فى فن الصياغات.
■ ■ ■
■ أنتقل الآن إلى سبع خطوات إلى المستقبل «وكفانا ما مضى من عذاب الانتظار، وتكاليفه المادية والمعنوية».
١-
خروج الرئيس «حسنى مبارك» من رئاسة الدولة، وابتعاده عن الساحة، دون إضاعة
فرصة أو مداورة، وتعلل بالفوضى، وذلك حتى يرتفع ثقل وجوده عن المشهد كله،
فاستمرار هذا الوجود تعقيد لا مبرر له، وتعطيل لما ينبغى بعده، فالشعب كله
حاضر، والكنيسة مضاءة، والمسجد عامر، والشباب هناك، وأكثر من ذلك فإن ذلك
الرئيس لم يعد قادراً على مواجهة طرف داخلى أو خارجى، ولا قادراً على أن
يقدم أوراق اعتماده لطرف عربى أو دولى يسمع له أو يقبل منه، كما أن القول
بالانتظار والصبر لم يبق له مجال يحتمل الاستمرار، ولا داعى لهذا الوقوف،
لأن هذا الوضع ستة شهور من القلق والشك والتربص.
٢- إعلان من القوات المسلحة مسؤوليتها والتزامها بحماية الشعب والتعهد بكامل مطالبه.
٣-
إعلان قيام مجلس قانون يمسك فى يده بالشرائع والقواعد، ومعه ما يصلح من
الدستور القائم، ومعه أيضاً ما هو مقبول ومعمول به فى عالم النور والحضارة.
٤- إعلان قيام مجلس لأمناء الشعب بتمثيل محقق للشباب.
٥- إعلان فترة انتقالية كافية لحوار جاد لا يضغط عليه دستور تهاوت أسسه بتهاوى شرعية من أصدروه.
٦
- تشكيل حكومة قوية تجمع بين الأفضل ممن يمكن الوثوق بهم ممن يعرفون
الحقائق، إلى جانب من يمكن الاطمئنان إليهم ممن يحملون نبض الأمل، فلا يمكن
لصالح هذا البلد «ولا هو وقع فى كل الثورات من قبل» أن يكون هناك حائط من
الفولاذ بين ما كان فى وطن، وما ينبغى أن يكون فيه.
٧- وأضيف هنا
أننى أحترم العسكريين الأربعة الذين وضعتهم الأقدار الآن فى موقع القرار:
«عمر سليمان» - و«أحمد شفيق» - و«محمد حسين طنطاوى» - و«سامى عنان».
أحترمهم باعتبارهم من رجا