AL AMIRA
عدد المساهمات : 3171 عدد المواضيع : 521 الجنس : العمر : 44
خدمات المنتدى الساعة الآن فى مصر: من فضلك: لاتنسى متابعتنا على:
| موضوع: ذرات الرمال الأحد 5 ديسمبر 2010 - 10:21 | |
| مسح جبينه فتساقطت حبات الرمل ومعها تناثرت أعباء نصف قرن قضاها في هذه البقعة يمني نفسه مع إشراقة شمس كل يوم وإطلالة هلال كل شهر ، كان يعلم أن ما أمسى به من كرب يكون وراءه فرج إلا أنه يشك في قربه فقد طالت سنوات انتظاره حتى بات كمن يسعى خلف سراب .. كانت علاقته بالرمل حوله علاقة تبادلية حزينة .. علاقة عطاء صامت كصمت لياليه الطويلة التي قضاها وحيداً يرقب خيالات أشجار " الأثل " وهي تحف بالبلدة تتحرك مهددة وتزمجر غاضبة مع الرياح لتعطي أهل القرية حدا حيوياً وفاصلاً رمزياً بين المدينة المحدودة وصحراء المتاهة اللا نهائية ، ولتعطي إشارات مفهومة تفصل بين حياة الاستقرار وحياة الرحلة والأسفار ..
كان عمله يلتهم سحابة نهاره حتى ما يسلمه لوحدته المرعبة وغربته الوجدانية بين تلك البيوتات الطينية ، ولكن الليل يفجر في نفسه كوامن أفكاره وتنبعث إثرها أحزان الماضي والحاضر .. ولربما المستقبل أيضاً .. كم تمنى أن يقضي يومه كله في العمل لا يسرق منه إلا سويعات متناثرة للراحة تحت النخلة أو على حصيره المتآكل يسمي هذا نوماً ولو على سبيل التجوز لأنه لا يجد في نومه الراحة المنشودة وكأنه ورقة في مهب الريح تصرفه في كل اتجاه .. لا يرى في نومه تلك الأحلام الوردية التي يسمع عنها وكأنها هرطقات من عالم الخرافة والأسطورة ..
يغادر غرفته الطينية مع رحلة الظلام اليومية ، يحمل " طعامه " على ظهره مربوطاً بخرقة أحلها الزمن وحولها من " شماغ " إلى بقايا أشباح حمراء على أرض سوداء .. وعلى كتفه تبدو الانحناءات التي يخلفها " قدومه " و" مشذابه " و " مسحاته " وربما زاد في وقت من الأوقات حبلاً معقوداً يسمى " الكر " حين يطيب الثمر وتجود صديقته بالعطاء .. ويغطي جسمه بأطمار متخرقة ربما يرقعها حين يهل هلال العيد إشعاراً بتغيير منظره في ذلك اليوم البهيج ، ثم تعود تلك الخروق بعد أيام رافضة الإذعان للرغبة البشرية في تغيير الواقع .. ما يلبث أن يخطو أمتاراً حتى يجتاز خط النهاية المتمثل في تلك الأشجار الفارعة المخيفة ثم يستدير بشكل آلي نحو الشرق مصاحباً هذه الأشجار يسامره عصفور " الحوقلة " وربما " الهدهد " يستمع إلى نشيد الحياة وبهجة تلك المخلوقات بإطلالة الشمس وزيارتها المعتادة ، حتى إذا صعد بمشقة تلك السهول اللينة " النفود " أشرف على أرضه وأحاطها بطرفه الكليل الذي ذرت عليه السنون رمادها ، تلك الأرض التي قتل أيامه من أجلها فكانت لا تعطيه إلا قطرات من الحياة تضن بها وبغيرها فلا تريه الحياة إلا بعد استشراف الموت ودنو القنوط واليأس .
صبيحة أحد الأيام لا يعلم ما اليد التي ألقته في فراشه وأملت عليه أن يبقى ، ألا يذهب وألا يخرج ، كان في قرارة نفسه معجباً بهذا الانعكاس المفاجئ في دورة الأيام ورتابة الحياة ، ولكنه تصنع الرغبة في المسير في عبث صبياني كبحه الهاجس الأول الذي أقعده فكان أقوى من إرادته الهرمة ذات الأعوام الخمسين .. أعوام طمرت بئر حياته بطين الأيام الحزينة ورمال ليالي الوحدة ..
كانت شمس ذاك اليوم تخطر في استحياء ، ولا تملك أن تمس الوجوه بحرارتها المعهودة ، بل كانت تسمح للهواء البارد أن يداعب تلك الوجوه لينسيها ألم الشمس الحارقة اللاهبة التي سلبتهم بياض جلودهم ونعومة بشرتهم وأقامت في الوجوه أخاديد الذكريات .. لا تلبث الشمس أن تتوارى خلف سحابة يتيمة تبارز الشمس في حماسة غريبة فلا تفتأ تغطيها كلما استطاعت الشمس النفوذ إلى سطح البلدة ورمالها المحيطة .. وكانت أشجار الأثل سعيدة بتلك النسمات الحيية فتتراقص مبتهجة بهذا الانتصار الموهوم على أنغام الطيور وترانيمها الصباحية مداعبةً صغارها فوق الأعشاش المتمايلة مع النسائم الرخية .
استمتع صاحبنا بتلك المشاهد التي يراها فنسي للحظات عبء أيامه الخالية وظلام مستقبله الموحش .. تركته يستمتع لحظاته التي بدأت تتصرم سريعاً مع صوت ذلول " الخوي " ..
انتبه على صوت رغاء " الذلول "ووقع أقدام " الخوي " تخبط بطحاء ساحة منزله مقتحماً حلوته المسروقة حتى وقف عند رأسه وشمله بنظرة تركته يرتعد مكانه ، ثم قال : أنت سعد بن راشد .. أجاب بتردد وصوته يتلاشى : نـ .. نـ .. نعـ ..عـم ، خير إن شاء الله ..
قال بعد صمت يسير : أنت من تزرع الأرض " العفراء " وراء " النفود " ..
- نعم طــ.. طــال عمررك - تملك استحكاماً من " الشيخ " لا أحتاج استحكاماً ،، هذه أرض أبي وجدي - هذا الكلام لا معنى له ، الدنيا لا تمشي إلا بالنظام والقانون و.. و الصك - ما عندي أوراق ، ثم أنا لا أعرف القراءة وما " كتبت " عند " المطوع " ، لكن اسأل أهل البلد عندهم العلم
- أنا أعرف هذا ، المهم جئت أبلغك أن الأرض ليست لك بل هي للعم ... لا نراك بعد اليوم وإلا ضربناك بـ" السلاح " .
استدار " الخوي " قبل أن يعي " سعد " معنى كلامه ، استدار بعدما صب سم " عمه " في أذن ذلك العجوز الهرم .. ركب " ذلوله " وعاد من حيث أتى تاركاً " سعد " يقلب عينيه وفيها آثار الألم ، أسبل دمعة .. تلتها قطرات وهو يشتم الضعف والفقر..
| |
|
الباشمهندس
عدد المساهمات : 8310 عدد المواضيع : 3771 الجنس :
خدمات المنتدى الساعة الآن فى مصر: من فضلك: لاتنسى متابعتنا على:
| موضوع: رد: ذرات الرمال الأحد 5 ديسمبر 2010 - 20:05 | |
| مشكوووووووووووورة اميرة ع القصة الرائعة
لكى تحياتى واحترامى | |
|
AL AMIRA
عدد المساهمات : 3171 عدد المواضيع : 521 الجنس : العمر : 44
خدمات المنتدى الساعة الآن فى مصر: من فضلك: لاتنسى متابعتنا على:
| موضوع: رد: ذرات الرمال الأربعاء 8 ديسمبر 2010 - 19:31 | |
| | |
|